فصل: من فوائد ابن كثير في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكان بين ميلاد عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسع وسِتون سنة، بعث في أوّلها ثلاثة أنبياء؛ وهو قوله تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [ياس: 14] والذي عزز به «شمعون» وكان من الحواريين.
وكانت الفترة التي لم يبعث الله فيها رسولًا أربعمائة سنة وأربعًا وثلاثين سنة.
وذكر الكلبيّ أن بين عيسى ومحمد عليهما السَّلام خمسمائة سنة وتسعًا وستين، وبينهما أربعة أنبياء؛ واحد من العرب من بني عَبْس وهو خالد بن سِنان.
قال القُشيريّ: ومثل هذا مما لا يعلم إلاَّ بخبر صِدق.
وقال قتادة: كان بين عيسى ومحمد عليهما السَّلام ستمائة سنة؛ وقاله مقاتل والضحاك ووهب بن منبه، إلاَّ أن وهبا زاد عشرين سنة.
وعن الضحاك أيضًا أربعمائة وبضع وثلاثون سنة.
وذكر ابن سعد عن عِكرمة قال: بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على الإسلام.
قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمرو بن واقد الأسلميّ عن غير واحد قالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، والقرن مائة سنة، وبين إبراهيم وموسى بن عِمران عشرة قرون، والقرن مائة سنة؛ فهذا ما بين آدم ومحمد عليهما السَّلام من القرون والسنين.
والله أعلم.
{أَن تَقُولُواْ} أي لئلا أو كراهية أن تقولوا؛ فهو في موضع نصب.
{مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ} أي مبشر.
{وَلاَ نَذِيرٍ} أي مُنذِر.
ويجوز {مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ} على الموضع.
قال ابن عباس: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود؛ يا معشر يهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أن محمدًا رسول الله، ولقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه بصفته؛ فقالوا: ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بعده من بشير ولا نذير؛ فنزلت الآية: {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} على إرسال من شاء من خلقه.
وقيل: قدير على إنجاز ما بَشّر به وأَنذر منه. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل} قال ابن عباس: قال معاذ بن جبل وسعد بن عبادة وعقبة بن وهب لليهود: يا معشر اليهود اتقوا الله فولله إنكم لتعلمون أنه رسول الله لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته، فقال رافع بن حريملة ووهب بن يهودا: ما قلنا ذلك لكم وما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بشيرًا ولا نذيرًا بعده فأنزل الله هذه الآية يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم يبين لكم يعني أحكام الدين والشرائع على فترة من الرسل قال ابن عباس: يعني على انقطاع من الرسل.
واختلف العلماء في قدر مدة الفترة فروي عن سلمان قال: فترة ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة أخرجه البخاري.
وقال قتادة: كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة وما شاء الله من ذلك وعنه أنها خمسمائة سنة وستون سنة.
وقال ابن السائب: خمسمائة وأربعون سنة.
وقال الضحاك: إنها أربعمائة وبضع وثلاثون سنة.
ونقل ابن الجوزي عن ابن عباس: على فترة من الرسل قال: على انقطاع منهم.
قال: وكان بين ميلاد عيسى وميلاد محمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة سنة وتسعة وستون سنة وهي الفترة وكان بين عيسى ومحمد أربعة من الرسل فذلك قوله: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث} قال: والرابع لا أدري من هو فكانت تلك السنون مائة وأربعًا وثلاثين سنة نبوة وسائرها فترة.
قال أبو سليمان الدمشقي: والرابع والله أعلم خالد بن سنان الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نبيٌّ ضيعَه قومه».
قال الإمام فخر الدين الرازي: والفائدة في بعثة محمد صلى الله عليه وسلم عند فترة الرسل، هي أن التحريف والتغيير كان قد تطرف إلى الشرائع المتقدمة لتقادم عهدها وطول زمانها وسبب ذلك اختلاط الحق بالباطل والكذب بالصدق فصار ذلك عذرًا ظاهرًا في إعراض الخلق عن العبادات لأن لهم أن يقولوا إلهنا عرفنا أنه لابد من عبادتك ولكنا ما عرفنا كيف نعبدك فبعث الله في هذا الوقت محمدًا صلى الله عليه وسلم لإزالة هذا العذر فذلك قوله عز وجل: {أن تقولوا ما جاءنا من بشير ونذير} يعني لئلا تقولوا وقيل معناه كراهية أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير في هذا الوقت {فقد جاءكم بشير ونذير} يعني فقد أرسلت إليكم محمدًا صلى الله عليه وسلم لإزالة هذا العذر {والله على كل شيء قدير} يعني أنه قادر على بعثة الرسل في وقت الحاجة إليهم. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)}.
يقول تعالى مخاطبا أهل الكتاب من اليهود والنصارى: إنه قد أرسل إليهم رسوله محمدا خاتم النبيين، الذي لا نبي بعده ولا رسول بل هو المعقب لجميعهم؛ ولهذا قال: {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} أي: بعد مدة متطاولة ما بين إرساله وعيسى ابن مريم.
وقد اختلفوا في مقدار هذه الفترة، كم هي؟ فقال أبو عثمان النَّهْديّ وقتادة- في رواية عنه-: كانت ستمائة سنة. ورواه البخاري عن سلمان الفارسي. وعن قتادة: خمسمائة وستون سنة، وقال مَعْمَر، عن بعض أصحابه: خمسمائة وأربعون سنة. وقال: الضحاك: أربعمائة وبضع وثلاثون سنة.
وذكر ابن عساكر في ترجمة عيسى، عليه السلام عن الشعبي أنه قال: ومنْ رفع المسيح إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تسعمائة وثلاث وثلاثون سنة.
والمشهور هو الأول، وهو أنه ستمائة سنة. ومنهم من يقول: ستمائة وعشرون سنة. ولا منافاة بينهما، فإن القائل الأول أراد ستمائة سنة شمسية، والآخر أراد قمرية، وبين كل مائة سنة شمسية وبين القمرية نحو من ثلاث سنين؛ ولهذا قال تعالى في قصة أصحاب الكهف: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] أي: قمرية، لتكميل الثلاثمائة الشمسية التي كانت معلومة لأهل الكتاب. وكانت الفترة بين عيسى ابن مريم، آخر أنبياء بني إسرائيل، وبين محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أولى الناس بابن مريم؛ لأنه لا نبي بيني وبينه» هذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى عليه السلام نبي، يقال له: خالد بن سنان، كما حكاه القضاعي وغيره.
والمقصود أن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وطُمُوس من السبل، وتَغَير الأديان، وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان، فكانت النعمة به أتم النعم، والحاجة إليه أمر عَمَم، فإن الفساد كان قد عم جميع البلاد، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد، إلا قليلا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين، من بعض أحبار اليهود وعباد النصارى والصابئين، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا هشام حدثنا قتادة، عن مُطَّرَّف، عن عياض بن حِمَار المُجَاشِعِيِّ، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته: «وإن ربي أمرني أن أعلِّمكم ما جهلتم مما عَلَّمني في يومي هذا: كل مال نَحَلْته عبادي حلال، وإني خلقت عبادي حُنَفَاء كلَّهم، وإنهم أتتهم الشياطين فأضَلَّتْهُم عن دينهم، وحَرَّمَتْ عليهم ما أحللت لهم، وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، ثم إن الله، عز وجل، نظر إلى أهل الأرض فَمَقَتَهُمْ، عجَمَهم وعَرَبَهُم، إلا بقايا من أهل الكتاب وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويَقْظان، ثم إن الله أمرني أن أُحَرِّقَ قريشا، فقلت: يا رب، إذن يَثْلَغُوا رأسي فيدعوه خُبْزة، فقال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نُغْزِك، وأنفق عليهم فَسَنُنفق عليك، وابعث جندا نبعث خمسة أمثاله وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقْسِطٌ مُتصدِّق موفق ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل عَفِيف فقير متصدق، وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تَبْعًا أو تُبعاء- شك يحيى- لا يبتغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لا يَخْفَى له طَمَعٌ وإن دَقَّ إلا خانه، ورجل لا يُصْبِح ولا يُمْسِي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك»، وذكر البخيل أو الكذب، «والشِّنْظير: الفاحش».
ثم رواه الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي من غير وجه، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشّخير. وفي رواية سعيد عن قتادة التصريح بسماع قتادة هذا الحديث من مطرف. وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده: أن قتادة لم يسمعه من مطرف، وإنما سمعه من أربعة، عنه. ثم رواه هو، عن روح، عن عوف، عن حكيم الأثرم، عن الحسن قال: حدثني مطرف، عن عياض بن حمَار، فذكره. و[كذا] رواه النسائي من حديث غُنْدَر، عن عوف الأعرابي به.
والمقصود من إيراد هذا الحديث قوله: «وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم إلا بقايا من بني إسرائيل». وفي لفظ مسلم: «من أهل الكتاب». وكان الدين قد التبس على أهل الأرض كلهم، حتى بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فهدى الخلائق، وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، وتركهم على المحَجَّة البيضاء، والشريعة الغرَّاء؛ ولهذا قال تعالى: {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} أي: لئلا تحتجوا وتقولوا-: يا أيها الذين بدلوا دينهم وغيروه- ما جاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر، فقد جاءكم بشير ونذير، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
قال ابن جرير: معناه: إني قادر على عقاب من عصاني، وثواب من أطاعني. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير} أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: المخاطب بأهل الكتاب هنا هم اليهود خاصة، ويرجحه ما روي في سبب النزول: وأن معاذ بن جبل، وسعد بن عبادة، وعقبة بن وهب قالوا: يا معشر اليهود اتقوا الله، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله.
ويبين لكم أي يوضح لكم ويظهر.
ويحتمل أن يكون مفعول يبين حذف اختصار، أو يكون هو المذكور في الآية.
قبل هذا، أي: يبين لكم ما كنتم تخفون، أو يكون دل عليه معنى الكلام أي: شرائع الدين.
أو حذف اقتصارًا واكتفاء بذكر التبيين مسندًا إلى الفاعل، دون أن يقصد تعلقه بمفعول، والمعنى: يكون منه التبيين والإيضاح.
ويبين لكم هنا وفي الآية قبل في موضع نصب على الحال.
وعلى فترة متعلق بجاءكم، أو في موضع نصب على الحال، والمعنى: على فتور وانقطاع من إرسال الرسل.
والفترة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام قال قتادة: خمسمائة سنة وستون.